أخبار عاجلة

مقالة

كفى الحديث عن النظام والهوية
18-06-2021 | 21:12


الجريمة نوعان، نوع جسدي وهو الاعتداء على الأشخاص ونوع مادي يشمل كل الانتهاكات المالية، وقد لا يقل ضراراً عن النوع الأول لما يسبب من مآس بشرية و وطنية خاصة بالظروف الصعبة التي نعيش. 


كشف المجرمين ضرورة، حتى ولو فرضت الظروف تأجيل محاكمتهم، لطي الصفحة والسعي قدماً في إعادة بناء الاخلاق والانسان والمجتمع والوطن.


في كلتا الحالتين لم نتمكن من كشف او محاسبة المسؤولين لا بل عاودنا تسليم مهمة النهوض من الحرب الاهلية الى ابطالها، وها نحن اليوم نواجه نفس المعضلة كيف نكشف و نحاسب المسؤولين عن ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والمالية الكارثية في لبنان.


فكان جواب الناشطين تحميل الجميع دون تمييز مسؤولية الانهيار ما يوازي عملياً عدم تحديد المسؤولية وتبرئة الجميع.


كذلك ذهب قسم من المفكرين والسياسيين ابعد من ذلك محملين النظام والعقد الوطني أي الصيغة /الهوية التي وصفها البعض بالكذبة الدائمة ، كامل المسؤولية فاحتلت هذه النظرية شيئًا فشئياً الخطابات والتحاليل وكانها من البديهيات العلمية، فكانت اسهل الطرق لعدم المحاسبة والظهور بمثاب المفكر المثقف الحديث.


لكن اين مسؤولية النظام والهوية في تقاعس وفساد وفشل من اخترنا لتمثيلنا؟  

فلننظر واقعياً في هويتنا والنظام النابع عنها.


ليست حياة الأوطان حقاً مكتسباً انما هي حق يكتسب.


لبنان استحق الحياة لما تضمنت صيغته الوطنية (اساس الهوية) من مشروع فريد ورسالة حضارية. 


لقد اختار اللبنانيون العيش المشترك وتفاعل الاضداد وهو الطريق الأصعب لما يحمل من أزمات مستديمة وخلافات عضوية نظراً لاختلاف الثقافات والأديان والمذاهب والخبرات التاريخية والجغرافية والسوسيوليحية.

 

لقد جمعت الصيغة بين ما سمي بالشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية وبين اهل الجبل الرفضين أي الذين ابتعدوا عن كل الامبراطوريات و اهل السواحل المنفتحين على البحروعلى السلطات المهيمنة وعلى التجارة .


طموح هذا المشروع استخراج الثروة الحضارية من رحم الاختلافات.


يبقى هذا الخيار فريداً عالمياً فلبنان البلد الوحيد الذي يشارك فيه المسلمون بالسلطة مناصفة كما وانه البلد العربي الوحيد "ذات الوجه المسيحي" كما ورد اصلاً في الميثاق الوطني. 


فإلى مسيحيي لبنان لأي هوية بديلة تنظرون ؟هل يبرر دم شهدائكم بناء دولة انعزالية في محيطها او تريدون لكم وطناً هو مجرد كازينو ومدينة ملاهي ؟ او لهذا حاربتم؟ اين نكون من رسالة السينودس التي تؤكد على رسالتنا في محيطنا؟


قال الاقدمون ان داخل كل مسيحي لبناني شيء من الإسلام وداخل كل مسلم لبناني شيء من المسيحية وهو ميزة وفرادة لبنان.


والى المسلمين وانا لم اصادف مسلماً لبنانياً يريد للبنان وطناً بديلاً،هل تريدون فشل هذه التجربة الفريدة التي تثبت الى العالم اجمع ،وبعكس ما يشاع اليوم عالمياً ان بإمكان الإسلام المشاركة حضارياً وسلمياً في السلطة مع باقي الأديان؟


اما النظام فهو مرتبط بالصيغة التكوينية ويجب النظر اليه من خلالها واعين لكل الأسباب الخلافية وما نتج عنها من تقاسم مذهبي.


لكن يتمتع لبنان بنظام ديمقراطي برلماني و بدستور من وحي اهم الأنظمة الديمقراطية في العالم. لكل الانظمة نواقص كما ولنظامنا ولا بد من ادخال بعض التعديلات لتأمين تطوره و فعاليته .


لكن نحن نعيش في ظل نظام يحترم المداورة بالسلطة ان فيما يتعلق برئاسة الجمهورية او بالمجلس النيابي ويحترم الاستحقاقات حتى ولو لم يكن دوماً أداء اهل السلطة بالمستوى المطلوب بل شكل عائقاً في إدارة هذا النظام.


بالرغم من كل شيء هل تعرفون الكثير من دول المحيط التي تحترم تداول السلطة ديمقراطياً؟


حتى لو رجعنا الى فترة الاستقلال لرأينا ان كل الاستحقاقات تمت بمواعيدها باستثناء فترة الحرب بما خص البرلمان وعرف الاستحقاق الرئاسي ثلاث تمديدات لم تتعدى في كل مرة الثلاث سنوات وثلاث سنوات فراغ رئاسية .


طبعاً يبقى كل ما سبق مثقلاً بسؤ أداء فاضح من البعض الأكبر ممن تسلموا زمام الأمور وبالأخص منذ الحرب الاهلية و حتى اليوم.


فعن أي نظام بديل تتحدثون؟ فلا بديل عن النظام الديمقراطي فان كانت الممارسة سيئة فلا جدوى من البحث عن أي بديل سيكون نصيبه كالحاضر.


خلاصة ما سبق ان الاطار حديث وحضاري والممارسة سيئة لما برهنت اغلبية اهل السلطة من فساد وجهل وعدم كفاءة بإدارة المصير. 


لا يعني ذلك ان التطور ممنوع او ان الإدارة العلمانية المدنية لشؤون الدولة مستبعدة


نحن بحاجة إلى ثقافة سياسية والى اخلاق والى كفاءات والى اخلاص وطني يقودنا نحو المواطنة خارج التعيير المذهبي بتوحيد القوانين والحقوق والواجبات مع احترام إيقاع كل مكون. فلنلتف حول مشروعنا القومي موحدين الرؤية ونسلك طريقنا الشائك فنتعدى الصعاب.


إبراهيم حنا الضاهر

وزير سابق