أخبار عاجلة

مقالة

عازار : سمير جعجع انت محرر وفوق الشبهات
25-10-2021 | 07:51

اشار الدكتور شربل عازار في بيان، تعليقا على التحديات المتسارعة التي تعصف بلبنان، إلى أنه وفي المقابلة المتلفزة التي أجرتها الصحافيّة ميشيل تويني مع الدكتور سمير جعجع، في جريدة النهار ١١ أيار ٢٠٢١، سألتْ الصحافيّة تويني الدكتور جعجع، هل تخاف؟

 

وفي ١٣ تموز ٢٠٢١، في ذكرى صدور حكم البراءة في ملف تفجير كنيسة سيدة النجاة غرّد الدكتور جعجع على تويتر قائلا":في مثل هذا اليوم تجلّت حصانة السماء في حكم البراءة".


واليوم يُقال أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة سيستدعي الدكتور جعجع في ما بات يعرف بأحداث عين الرمّانة التي وقعت في ١٤ تشرين الأول الحالي.


تعرفتُ على الدكتور سمير جعجع عن كثب في صفوف حزب الكتائب اللبنانيّة بعد العام ١٩٨٦ تاريخ عودتي الى لبنان بعد إنهائي دراسة الطبّ في بلجيكا وفرنسا.


توطدت علاقتي به مع الأيام ما جعلني أتردد عليه بشكل متكرّر حتى ٢١نيسان ١٩٩٤ تاريخ دخوله المعتقل.


حصل إنفجار كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل صباح الاحد ٢٧ شباط ١٩٩٤، وهي الكنيسة التي كنت أواظب وزوجتي على المشاركة في القداس فيها لقربها من منزلنا.


شاءت العناية الإلهيّة ذاك الأحد المشؤوم أن أشارك أبناء بلدتي عرمون كسروان قداس الأحد بسبب الحاح المرحوم والدي لتمضية يوم الأحد بضيافته.


حصل الإنفجار الذي أودى بحياة الأطفال والنساء والشيوخ الذين حضروا للتضرّع الى ربّهم، وبسحر ساحر إنصبّت كلّ الإتهامات على القوات اللبنانيّة وقائدها.


ساد الرعب وأكفهرّت الأجواء وفُرض ما يشبه الطوق الأمني على غدراس مقرّ إقامة الحكيم، وكَثُرت محاولات المسؤولين وبعض السفراء والنواب والوزراء والشخصيّات السياسيّة لإقناع الدكتور جعجع بمغادرة لبنان لأن النيّة جدّية وواضحة بتوقيفه وسجنه.


وقد حضرتُ شخصيّا" بعض هذه اللقاءات. وما زلت أذكر يوم إتصّل بي المرحوم النائب الشيخ رْشَيد الخازن يطلب منّي ملاقاته فورا" في منزله.

 

ولمّا وصلت إليه قال لي أصعد معي في السيّارة لأنني أريد أن أقول كلمتين لهذا "المجنون" صاحبك، (يقصد دكتور جعجع) لأنّه إذا لم يفهم ويغادر لبنان سيُدخلوه السجن.


وهكذا حصل ورافقت الشيخ رشيد، الذي استعمل كل ما أتاه الله من مواهب وذكاء وحنكة لإقناع الحكيم بمغادرة البلاد مع كلّ الحمايات المطلوبة لكن محاولته، كما محاولات غيره، باءت بالفشل.


وبالرغم من الطوق الأمني كنت أصعد بشكل متكرّر الى غدراس للتضامن والاطلاع على المستجدّات.


وصلتُ في أحد الأيام، سألت عن الدكتور جعجع، فأدخلني مرافقه الى المكتب حيث كان الحكيم يجلس على كنبة جلد سوداء، يدخّن سيكارا" ويحيط به جَمْعٌ من القواتيّين سأذكر واحد منهم فقط منعا" للسهو والنسيان، إنّه الصديق الرائع المرحوم الشيخ فريد حبيب (النائب عن الكورة فيما بعد).


جلست على كنبة بالقرب من الدكتور جعجع، أكملَ الحضور الحديث وكان يتمحور حول ضرورة أن يغادر الحكيم لبنان على وجه السرعة حفاظا" على حياته فهي عند أحبّائه أغلى من كل شيء، والكلّ كان يردّد كرمالنا يا حكيم غادر لبنان،

وهكذا دواليك.


 انا كنت صامتا" مستمعا" الى أن طلب منّي الشيخ فريد حبيب بإصرار، تفضّل يا دكتور عازار شو رايك؟ قلْ شيئا".


تحركت في مقعدي، وبكلّ ثقة أخذت دور المرشد والناصح وابتدأت من عند شارل ديغول وكيف حرّر فرنسا من بريطانيا ولندن، وكيف أنّه لو بقي في باريس لما استطاع الى ذلك سبيلا.


وأكملت متوجها" بكلامي للدكتور جعجع، وانت يا حكيم في الخارج سوف تجول على عواصم القرار بين اميركا وأوروبا محاطا" بلوبي الإنتشار اللبناني للطلب من الدول المؤثرّة في الأمم المتحدّة ومجلس الأمن العمل على خلاص لبنان....والى ما هنالك من نظريات وأطروحات وفلسفات خطرت ببالي.


طَرَبَ الحضور لكلامي حتى أنّ البعض صفَّقَ بعفوية، ومنهم من أعتقد أن الحكيم قد يكون اقتنع او تأثّر بوجهة نظري خاصة وأنّه عند انتهاء مداخلتي (الفظيعة) قام الدكتور جعجع من مقعده وخرج من المكتب وأكمل الجميع بالثناء على موقفي وأسلوبي.


ما هي إلّا لحظات ويطلّ من باب المكتب مرافق الحكيم ويؤشر لي أنّه يريد أن يكلّمني.


قمت بحركة باليَد للتأكّد إذا ما كنت انا المقصود، فأشار بإيمائة جديدة أن نعم.


تركت مقعدي وعند وصولي إليه همس في أذني أن الحكيم ينتظرني في الغرفة الصغيرة المقابلة.

تعجبت شديد العجب واعتقدت واهما" أن طرحي قد يكون فَعَلَ فِعْلَه.


مَشَيْتُ مزهوا" إليه، طرقت باب الغرفة بهدوء إحتراما" ففتح الدكتور جعجع الباب من الخلف، وما ان دخلت حتى طبشه بقوة لافتة.


وقف أمامي بقامته الطويلة وحدّق بي من فوق وبغضب إستثنائي قال لي:

" مبسوط بحالك عم بٍتْنَظّر وهنّي بزقفولك مفكّر حالك افلاطون ومفكّرني مش عارف شو عم بعمل وإنّو ما درست كل هذه الخيارات".


وأكمل، أريد ان أسالك سؤالا" واحدا" وهات الجواب:


إذا انا هربت وغادرت لبنان هل تستطيع أن تُقنع غريتا (زوجتي) أنّ سمير جعجع لم يفجّر الكنيسة؟


وتابع غاضبا:

أنت تريد ان تُنهيني وتنهي القوات؟

نحن نفجّر كنيسة؟

انا أفجّر كنيسة؟

أصلا" صوت الحكيم كان يهزّ مسمعي وضميري ولا زلت حتى الساعة أحاول أن استرجع حرفيّة ما قاله لي وباي طريقة ولهجة وانفعال قد قاله، لأنّه وقع عليّي وقع الصاعقة.


وأردف بإصرار وبثقة ثابتة قائلا":

 " انا سأسلّم نفسي وسأذهب معهم الى المعتقل، سوف أحاول أن أصِل على قيد الحياة الى وزارة الدفاع.

تمنّى لي ان أصل طيّب (حيّ).


إذا وصلت الى الوزارة عايش بِكونْ تمام والباقي تفاصيل وقصة وقت ومتل ما الله بيريد لأنّهم يُدخلوني السجن بقرار سياسيّ،

 وسأخرج بقرار سياسيّ "


وأنهى حديثه معي قائلا:

" الآن عُدْ الى المكتب، "دبّر راسك" ماذا ستقول للشباب، وحديثك السابق "بتقطشو" وتنهيه وانا ذاهب الى المعتقل برضايي."

عدت الى المكتب متلعثما" متظاهرا" بالهدوء.

 تمالكت نفسي، وعلى طريقتي قلت للحضور بعض حين وأمام الدكتور جعجع:

بكلّ الاحوال يا شباب نحن نثق بحكمة الحكيم وهو الأدرى بكل الأمور، وما يعرفه هو نحن لا نعرفه وهو صاحب القرار.


لست منتسبا" الى حزب القوات اللبنانيّة ولم التقِ الدكتور جعجع منذ دخوله السجن في ٢١ نيسان ١٩٩٤ إلّا من ضمن الزيارة التضامنيّة لوفد "الجبهة السياديّة من أجل لبنان" نهار الأربعاء الماضي.


 لكنّني وجدت أنّ عليّي الشهادة للحقّ وللحقيقة ولو بعد أكثر من سبعة وعشرين سنة على الواقعة وعليه، فإنني أجزم أن الدكتور سمير جعجع ذهب الى المعتقل بكامل أرادته ودراسته وتصميمه ليواجه باللحم الحيّ، فهو لم يَخَفْْ ولم يهرب وأفتدى رجاله بشخصه.


 وبعد اثنتي عشرة سنة من الإعتقال كان له ما أراد وتبيّن أنّه كان على حقّ وخرج بقرار سياسيّ وتجلّت حصانة السماء في حكم البراءة.


منذ أكثر من سبعة وعشرين سنة خاف سمير جعجع من محكمة التاريخ ومن التلاعب بالوقائع وطمسها للتعمية على الحقيقة وتحويل حارس وادي قنوبين ووطن الأرز خائنا" لألف وخمسمائة سنة من النضال للحفاظ على الجذور والإيمان والكنيسة والكرامة الوطنيّة.


سمير جعجع، انت اليوم مُحَرَّر وفوق الشبهات.


اللبنانيّون الأحرار من كل الطوائف معك ويرفضون تصديق رواياتهم مرّة جديدة.

فالشمس شارقة والناس قاشعة فلا تخضع إلّا لضميرك وسيادة وكرامة وطنك وأهله.



شربل عازار 

نداء الوطن