أخبار عاجلة

لبنان

بنك عوده.. بلطجة وسلبطة
13-08-2022 | 07:25

المشهد الداخلي ثابت في مربّع الجمود، والنشاط الرسمي لا يعدو أكثر من محاولة لملء الوقت باستقبالات ولقاءات روتينية. فيما الحركة السياسية وإن كانت توحي بأنها متأهبة للاستحقاق الرئاسي عبر محاولات لجمع قوى سياسية ونيابية في إطار معيّن يشكّل عامل ضغط على باب هذا الاستحقاق، او لقاءات لكسر الجليد بين الاضداد على ما حصل بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«حزب الله»، الّا انها في عمقها حركة تدور حول نفسها، لا تمتلك حتى الآن ما يبدّد الغموض الطاغي على هذا الاستحقاق والوجهة التي سيسلمها بدءاً من اول الشهر المقبل، الذي يشكّل بداية المهلة الدستورية ما بين أول ايلول وآخر تشرين الاول المقبلَين لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.


في موازاة هذا الوضع، الذي يبدو جلياً انه سيطبع الواقع الداخلي، أقله حتى موعد الاستحقاق الرئاسي، تحرّك المشهد الداخلي في الساعات الأخيرة على وقع محاولة المودع بسّام الشيخ حسين استرداد امواله من مصرف «فيدرال بنك»، والذي لم ينته فصولاً بعد، إثر توقيف الشيخ حسين.


وبصرف النظر عما اذا كان يحقّ للشيخ حسين القيام بما قام به لاسترداد وديعته المحجوزة في المصرف المذكور او لا يحق له بذلك، وبصرف النظر عما اذا كان هذا المودع مخطئاً في ما قام به او ضحية قادَته ضروراته الى محاولة استرداد حقه بالقوة، الا انه قبل كل شيء يجب النظر الى «الاشباح» التي سَطت على اموال المودعين، سواء لبست وجها سياسيا او اقتصاديا او ماليا او مصرفيا، وبالتالي محاسبتها وعدم تركها فالتة من العقاب.


على انّ الثابت بالدليل القاطع لدى كل مودع مسروق، انّ رأس الافعى في عملية اللصوصية هذه والسرقة لأموال المودعين، هي المصارف، التي باتت ميليشيات بامتياز، أسوأ من ميليشيات الحرب لا رادع إنسانياً او أخلاقياً لها، تتحكّم بحقوق اللبنانيين بلصوصية وقحة فاجرة على عينك يا تاجر. ولا من يحاسبها.


بلطجة.. وسلبطة


امام هذا الواقع الكريه، لم يعد التعامل مع بعض المصارف في لبنان يخضع لمعايير المنطق أو العقل او القانون أو حتى الاخلاق. واذا كان المودع قد وصل الى مرحلة من اليأس تدفعه الى أعمال انتحارية من اجل تحصيل ولو جزء يسير من حقوقه، فإنّ ادارات بعض المصارف لا تعتبر، بل تتصرّف وكأنها اصبحت خارج سياق أي قانون او محاسبة.


هذه الفوضى تدفع الى ان يتخذ كل مصرف، بل كل فرع في المصرف، ما يناسبه من قرارات، من دون الأخذ في الاعتبار أو مراعاة القانون ولا الزبون.


هذه المعاناة يمكن اختبارها بوضوح في طريقة تعاطي «بنك عوده» مع زبائنه، حيث باشر عملية تصفية لحسابات التوطين لديه، مع عِلمه المُسبق بأنّ مثل هذه الخطوة سوف تؤذي الموظف والمؤسسة التي يعمل فيها. ولا تأخذ ادارة المصرف في الاعتبار سنوات التعاون مع المؤسسة ومع موظفيها، اذ انّ تشويه السمعة لم يعد ضمن اولوياتها، ولم تعد تهتمّ لا لسمعتها ولا لأخلاقيات العمل، ولا للقوانين المرعية الاجراء.


وكان بنك عوده قد بدأ عملية «التعدي» على زبائنه من خلال فرض «خوّة» على تحويل الرواتب الى الموظفين، اذ انه لم يكن يقبل بتسليم الموظفين رواتبهم، او بالأحرى جزءا منها، ما لم يحسم نسبة مئوية كبيرة من المال من دون اي مسوّغ قانوني، بل فقط لأنه يعتبر نفسه فوق القانون وفوق المحاسبة.


ولا يكتفي بنك عودة بذلك، بل يفرض البلطجة على اموال الفريش دولار ايضاً، اذ انه يُخضع عملية دفع الدولار الفريش الى أصحابه لمزاجية رئيس مجلس ادارته الذي يُفتي بدفع حوالات الفريش، او عدم دفعها، وتأجيل السداد بلا اي تبرير مُقنع.


ما يقوم به بنك عوده مع المؤسسات العاملة في لبنان، والتي لا تزال تكافح رغم الأزمة، هو بمثابة خيانة تُسهِم في ضرب ما تبقى من اقتصاد قائم. ولا بد لأجهزة الرقابة من ان تتحرّك لوضع حد نهائي لهذه السلبطة، لأنّ عواقب استمرار مثل هذه التصرفات ستكون وخيمة على الجميع.


توقيف المودع


الى ذلك، فإنّ ما قام به الشيخ حسين لاسترداد امواله المحجوزة في مصرف «فدرال بنك»، سواء أكان محقا او مخطئا، أعاد طرح قضية المودعين في أذهان جميع المعنيين، لا سيما ما تبقّى من السلطة، وأكّد انّ هذا الملف بات يشكل جمرا ونارا قابلين للاشتعال، خصوصا في ظل الحديث في كل الاوساط الشعبية والسياسية كما في اوساط المودعين والمصارف وعلى مستوى السلطة بأنّ ما قام به الشيخ حسين ليس العملية الأخيرة، بل قد تليها حالات مماثلة طالما انّ اموال المودعين مسلوبة ومحرومة على اصحابها.


جديد القضية


وقد أفيد امس انّ القوى الامنية اوقفت المودع بسام الشيخ حسين على خلفية ما قام به في مصرف «فدرال بنك»، بناء على اشارة صدرت ليل امس الاول عن المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري. وتَبع ذلك تحرّك احتجاجي قام به ذوو سليم بقطع الطريق امام محطة سليم في محلة الاوزاعي.


ونقل عن عاطف الشيخ حسين (شقيق بسام الشيخ حسين) قوله انّ شقيقه كان قد خرج من المصرف يوم الخميس بناء على اتفاق أن يذهب إلى لقاء يحضر فيه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي ورئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد خالد حمود.


وقد تمّ هذا الاتفاق مع الضباط الذين كانوا يتفاوضون معه، حيث كان من المفترض أن يقود إلى إنتهاء التحقيق معه خلال ساعة واحدة.


وأشار الى أنه عند الحضور إلى هذا اللقاء لم يكن مولوي موجوداً، حيث بدأ التحقيق مع شقيقه قبل أن يطلب منه المغادرة لبعض الوقت على أساس أن يتم ختم التحقيق، ليتبيّن بعد ذلك أن القوى الأمنية بدأت في التوسّع بالتحقيق ولم يعد مسموحاً له بالعودة، مشيراً إلى أن ليس لديه أي معلومات حول ما إذا كانت إدارة مصرف «فدرال بنك» قد قررت الإدعاء أم لا.


ورداً على سؤال، كشفَ الشيخ حسين أنه في حال عدم الإفراج عن شقيقه فإن العائلة قد تعود إلى التحرك في الشارع، بعد أن كانت قد أقدمت على قطع طريق الأوزاعي صباحاً لبعض الوقت.


جمعية المودعين


من جهته، أكد رئيس جمعية المودعين حسن مغنية انّ «المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري أعطى اشارة قضائية ليلاً بتوقيف المودع بسام الشيخ حسين»، معتبرًا أنه «بإمكان القاضي اخلاء سبيله اليوم بسند إقامة، ولكن كما نعلم في مثل هذه القضايا تتدخل السياسة ويبدو أن هناك من يريد تحويل الموضوع الى «فَركة اذن» لبسام كي لا تتكرر مثل هذه الحوادث».


وكشف مغنية أن «المصرف المعني والموظفين ليسوا بصدد تقديم دعوى شخصية بحق بسام الشيخ حسين، وبالتالي يبقى الحق العام، وطالما لم يتضرر اي شخص يجب فإنه إطلاق سراحه».


وذكّر مغنية أنه «بتاريخ 18 تموز عقدنا كجمعية مودعين مؤتمرا صحافيا وحذّرنا من وصول المودعين الى مرحلة أخذ الحقوق بالقوة، وللأسف لم يتجاوب أحد»، معتبرًا أن «بسام الشيخ حسين ليس الأول وحتماً لن يكون الأخير ما لم يحل موضوع المودعين بشكل جذري».