بالغالبية الساحقة، انتصر البرلمان الأوروبي لحقوق المودعين في لبنان، وكلّل جهود عمل مشترك قامت به اللجنة القانونية في "رابطة المودعين" في لبنان ومنظمة "المحاسبة الآن" بمصادقة بالإجماع، على قرار تاريخي يدعو المجلس الأوروبي، الجهة التنفيذية للاتحاد، إلى فرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين اللبنانيين المتورطين في فسادٍ موثّق أو في تسليح غير شرعي أو في تعطيل للانتخابات أو عرقلةً للتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت.
فتح الحقوقيون اللبنانيون في الرابطة وفي المنظمة أبواب "المحاسبة الدولية" على كواليس ما يُخفيه ساسة لبنان من تجاوزات مالية خطيرة، وبناءً على ما استطاعوا تقديمه من ملفات مُحكمة لا تقبل الشّك، طالب أعضاء البرلمان الأوروبي بتجميد الأصول الأوروبية للأفراد المفروضة عليهم عقوبات، وبضرورة تمديد العقوبات التي تستهدف لبنان، والتي تنتهي مفاعيلها في 30 تموز الحالي، بشكل "فوري".
ولفظاعة العمليات الاحتيالية وبراعة منظومة الفساد المالي، دعا البرلمان الأوروبي اللجنة الأوروبية ومكتب النائب العام للتحقيق في استخدام الأموال الأوروبية المخصصة للبنان، معرباً عن قلقه إزاء "عدد من حالات سوء الإدارة والاحتيال"، وداعياً إلى تقديم مساعدات اقتصادية مصحوبة بإجراءات ضدّ الاحتيال.
لا بل ربط نصّ القرار بين المستندات المُقدّمة وبين الوضع الحالي في لبنان الناتج عن "تعطيل السياسيّين في الطبقة الحاكمة، والأحزاب المسلّحة بطريقة غير مشروعة، العملية الديموقراطية والدستورية". فشددوا على وجوب "تحمّل النخبة السياسية المسؤولية". وأشار أعضاء البرلمان الأوروبي إلى "عدم إحراز تقدّم في مكافحة الفساد والإفلات من العقاب"، منذ بداية الأزمة الاقتصادية أواخر العام 2019.
وفي حديث خاص أكد العضو المؤسس في "رابطة المودعين" الصحافي هادي جعفر أن "هذا القرار يشكل سابقة تاريخية، فلأول مرة يصدر عن الإتحاد الأوروبي قرار يسمّي الشخصيات السياسية والمصرفية اللبنانية المتورطة بما وصلنا إليه من أزمة مالية ومصرفية ويسميها بالإسم ويدعو لفرض عقوبات عليها بلا مواربة. قد أتى هذا القرار نتيجة عمل إمتد لأكثر من سنة بالتعاون بين "رابطة المودعين" ومنظمة "المحاسبة الآن" وقد تقدمنا معًا بملف طلب فرض للعقوبات من الإتحاد الأوروبي وبناءً عليه صدر القرار"
وأشار جعفر إلى أنه يفترض الآن أن يصوّت البرلمان الأوروبي على فرض العقوبات بعد إصدار القرار، إلا أنه أهم ما يعني "رابطة المودعين" هو انتصار البرلمان الأوروبي لحقوق الناس الذين حاولوا جاهدين تحصيل حقوقهم "في الداخل اللبناني مع أكثر من 400 دعوة قُدّمت للقضاء اللبناني مع دعاوى أخرى تقدمنا بها بإسم المودعين، ناهيك عن إخبارين للنيابة العامة ولم نصل إلى نتائج مرضية، سوى في بعض الحالات المعدودة. وما يعنينا أن ملف المحاسبة قد فُتح دوليًا الآن، إضافةً إلى الشكاوى التي تقدمنا بها في سويسرا بحق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة والمصارف اللبنانية والمصارف السويسرية المتعاونة معهم."
واعتبر جعفر أن المميز اليوم، هو أنه بات هناك قرار أوروبي يُسمي المتورطين من الزمرة الحاكمة في لبنان بالإسم. الأمر الذي يضيق الخناق على كل من ضرب القانون عرض الحائط و "احتجز أموال الناس وقامر بأموال الناس وأوصلنا إلى الحال الذي وصلنا إليه اليوم"
وردًا على التعليقات الرسمية التي اعتبرت القرار "ضربًا لسيادة لبنان" أكّد جعفر أن "لا خطر على السيادة اللبنانية إلاّ من هؤلاء المسؤولين اللبنانيين الذين أوصلوا حال البلد إلى ما وصلت إليه، ولا خطر على القطاع المصرفي اللبناني إلاّ من هذه المصارف ومن حاكم مصرف لبنان الذين دمّروا متعاونين القطاع المصرفي وأوصلونا إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. وعليه لا شك أن إعادة حقوق المودعين وإعادة إطلاق القطاع المصرفي اللبناني يتطلبان بطبيعة الحال المحاسبة وهذا ما نسعى له، نحن نسعى لمحاسبة من أوصلنا إلى هنا وللوصول إلى قطاع مصرفي جديد بإدارات جديدة بعيدًا عن المجموعة المسماة "جمعية المصارف" والتي احتجزت عن غير وجه حق أموال المودعين وقامرت بها عبر الإستثمار بالدين العام وغيرها من الاستثمارات الفاشلة ومن ثم احتجزت ما تبقى، وأذلّت المودعين على أبوابها، وحوّلت مراكزها لحصون مسيجة بالحديد. واليوم، إن كانوا يظنون أن باستطاعتهم الهرب من تحقيق العدالة في الداخل اللبناني فلن يتمكنوا من الافلات من العقاب الدولي، ونحن سوف نلاحقهم في الداخل والخارج".