يشير مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” إلى تصوّر مستقبلي للمنطقة، يتجاوز الصراعات الطويلة والانقسامات السياسية، ويركز على التعاون الاقتصادي، والانفتاح الثقافي، والتحولات التنموية المستدامة. وقد بدأ هذا المفهوم يأخذ شكلاً أكثر واقعية في السنوات الأخيرة، بدفع من تطورات جيوسياسية واقتصادية وتقنية متسارعة.
أحد أبرز تجليات هذا الشرق الأوسط هو التقارب غير المسبوق بين دول كانت على خلاف طويل. مثال على ذلك هو “اتفاقيات إبراهام” الموقعة في عام 2020، والتي أرست أسس تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب. وقد أسهمت هذه الاتفاقيات في فتح قنوات جديدة للتعاون التجاري والسياحي، حيث زاد التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل وحدهما إلى أكثر من 2.5 مليار دولار سنويًا بحلول 2024.
اقتصادياً، تشهد دول الخليج تحولات جوهرية في إطار رؤى وطنية طموحة. فـ”رؤية السعودية 2030” تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، عبر الاستثمار في قطاعات مثل السياحة، والترفيه، والطاقة المتجددة. وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، حيث شهد الناتج المحلي غير النفطي في السعودية نمواً بنسبة 4.4% عام 2023، بحسب صندوق النقد الدولي.
من جانب آخر، أصبحت التكنولوجيا محركاً أساسياً لهذا التحول. فالإمارات على سبيل المثال أطلقت “استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031”، وتعمل على جذب شركات تقنية كبرى، مثل غوغل ومايكروسوفت، إلى المنطقة. كما أن الشباب، الذين يمثلون حوالي 60% من سكان العالم العربي، أصبحوا أكثر انخراطاً في مجالات ريادة الأعمال والتقنية، ما يفتح الباب أمام اقتصاد معرفي جديد.
رغم هذه الإشارات الإيجابية، لا تزال المنطقة تواجه تحديات حقيقية. الحروب في سوريا واليمن وليبيا مستمرة، وتؤثر على الاستقرار الإقليمي. كما أن هناك تفاوتاً كبيراً في التنمية، فبينما تشهد بعض الدول نمواً اقتصادياً سريعاً، تعاني أخرى من الفقر والبطالة وتراجع في الخدمات الأساسية. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ما يزيد عن 32% من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون تحت خط الفقر بحلول 2023.
في الختام، فإن “الشرق الأوسط الجديد” ليس مجرد فكرة مثالية، بل مشروع قيد التشكّل، يعتمد نجاحه على قدرة الدول على تجاوز الخلافات، وتعزيز التعاون، وضمان مشاركة شعوبها في بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. وإذا ما استُثمرت الموارد بشكل عادل وفعال، فإن المنطقة قد تكون أمام فرصة تاريخية لتغيير وجهها إلى الأبد.