شكّلت "عاصفة" توم برّاك في الساعات الـ48 الأخيرة مادة ملتهبة إضافية، سيكون من شأنها إذكاء حماوة المداخلات والنقاشات التي ستشهدها جلسة المناقشة العامة لسياسات الحكومة التي سيعقدها غداً مجلس النواب في جلستين قبل الظهر وبعده. وإذا قرّر رئيس المجلس فتح الجلسة للتغطية التلفزيونية المباشرة، فإن ذلك سيشكّل بدوره عامل تسخين إضافياً بما سيجعل من هذه الجلسة محطة تتخطى تسجيل المواقف للكتل والنواب من التطورات الراهنة، إلى اختصار صورة الإرباك الكبير والغموض الواسع اللذين يرخيان بذيولهما على مجمل الوضع في لبنان. ومن نافل القول إن جلسة المناقشة العامة سيكون حجر الرحى في مداخلاتها وكلماتها ونقاشاتها الموضوع المتفجر المتصل بنزع سلاح "حزب الله"، بعدما أثارت المقاربة الرئاسية الثلاثية للردّ على ورقة برّاك انتقادات لعدم عرضها على مجلس الوزراء بما سيستتبع باتساع النقاش حول مجمل الملف في مجلس النواب.
وأما في ما يتصل بالتداعيات الحادة لتصريحات برّاك المحذرة من "عودة لبنان إلى بلاد الشام"، فبدا لافتاً أن التوضيح الذي عاد وأصدره لم يخفف كثيراً من غلواء الشك والقلق المتصاعدين حيال حقيقة دوافع الموفد الأميركي إلى إطلاق موقفه الأول ومن ثم تصويبه. ولعل القلق من خلفيات هذه العاصفة بلغ ذروته في ظل معطيات تتحدث عن أن اتصالات عاجلة وكثيفة أجريت بين مراجع لبنانية والموفد الأميركي، عكست أصداء المفاجأة السلبية التي أحدثها برّاك واستدعت منه المسارعة إلى تفهّم الأجواء العاصفة التي أثارها وإصداره التوضيح. ومع ذلك، فإن المعطيات نفسها تشير إلى أن "الأسوأ لم يحصل بعد" في ما يعني أنه لا يمكن التعامل مع تصريحات برّاك بعد عودته إلى واشنطن إلا من خلال تدقيق الدوائر المختصة في الإدارة الأميركية في الردّ اللبناني على ورقته، وتالياً ترجيح احتمال أن يكون برّاك يرجع صدى تقويم سلبي لهذا الرد. وفي ظل هذه التقديرات، ترجّح المعطيات نفسها أن تكون ثمة زيارة ثالثة قريباً لبرّاك إلى لبنان وأن "الثالثة ثابتة" لجهة أنها ستتّسم بطابع حاسم فعلاً لأنها ستحمل الردّ الأميركي وتوجّهات الإدارة الأميركية عملياً حيال السلطة اللبنانية، في ما يعود إلى مسالة نزع سلاح "حزب الله"، بما سيتبين معه مدى الهامش المتاح للبنان بعد في التمهل أو عدم التمهل بعد الآن في وضع خطة واضحة لبرمجة نزع السلاح.
ومن باب التذكير، فإن السفير توم برّاك كان حذّر في حديث إلى صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، من أن لبنان "يواجه تهديداً وجودياً"، مضيفاُ أن "إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام". ثم عاد لاحقاً وأوضح أن كلامه لم يكن تهديداً للبنان "وأن قادة سوريا لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان، والولايات المتحدة ملتزمة بدعم هذه العلاقة بين جارين متساويين وذوي سيادة ينعمان بالسلام والازدهار".
وإذ التزم أركان السلطة جميعاً وأوساطهم الصمت حيال عاصفة برّاك، فإن كلامه أثار موجة واسعة من الردود والتفاعلات المختلفة، كان من أبرزها أن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع اعتبر تصريح الموفد الأميركي "برسم السلطة والحكومة اللبنانية"، وحذر من أنه "إذا استمرت السلطة، ومن خلالها الحكومة اللبنانية، في تردّدها وتباطؤ قراراتها وتثاقل خطواتها في ما يتعلق بقيام دولة فعلية في لبنان، فإنها ستتحمّل مسؤولية أن يعود لبنان الوطن والدولة في مهبّ الريح من جديد". وأوضح أن "على السلطة اللبنانية أن تحزم أمرها في أسرع ما يمكن، وأن تتخِّذ الخطوات العملية المطلوبة من أجل تحويل لبنان إلى دولة فعلية تشكل وحدها الضمانة للمجموعات اللبنانية كلها، وإلا ستُبقي لبنان ساحة وتعرِّضه للاستباحة من جديد".