يقول الدستوري الفرنسي الكبير فيليب أردان: “يأتي حكّام ويرحل آخرون والدولة تبقى”. للأسف، لا ينطبق هذا القول على لبنان حيث يأتي مسؤول لينتقم من سابق فيطيّر شركات ليأتي بأخرى بدون وجه حقّ. كيف لقول الدستوريّ الشهير فيليب أردان أن ينطبق على بلاد باتت الكيديّة السياسية والمصالح الشخصية لشخصيات عامّة أهمّ من المصلحة العامّة وتعلو فوق الحقّ والعدالة والقضاء؟ هل نحارب ما نسمّيه فساداً بفسادٍ أكبر؟
أليس أكبر الفساد التضحية بالقضاء لمصالح سياسية أو شخصية؟ أليس أكبر الفساد توقيف مواطن – مستثمر لأكثر من 3 أسابيع بإشارة من قضاء (تمّ تسليمه ملفّ غير ملمّ به وبتفاصيله) تحت ذمّة التحقيق، وعندما لم تتوافر تهمة جدّيّة ومثبتة، ومتى بدأ الوقت يدهم، نبني اتّهاماً ونرميه جزافاً في سبيل الضغط على المواطن – المستثمر ونحوّل “الدولة الجديدة” لخاطف بهدف انتزاع شركة “الموقوف” لاستبدالها بأخرى؟
تقدّر خسائر هذه السوق غير الشرعية بعشرات ملايين الدولارات لمصلحة خزينة الدولة اللبنانية، وتواصل هذه “السوق السوداء” منذ سنوات رميَ البلاء جزافاً ضدّ جاد غاريوس وBetarabia لينتهي ذلك في كلّ مرّة باستدعاء جاد غاريوس للتحقيق قبل أن يخرج أيضاً كلّ مرّة منها “بريئاً” مع اعتذار على “تضييع جهده ووقته” بناء على “إخبار كاذب أو ملفّق”.
هذه المرّة كانت مختلفة. فالسياسة تدخّلت بنفوذها في القضاء والأمن فيما جنّدت “السوق السوداء” وسيلة إعلامية مقابل بدل مادّي “ضخم” ووعدٍ بأنّها ستكون الرفيقة الإعلامية متى استُبدلت Betarabia بأخرى.
عائدات الدولة من ألعاب الميسر في الكازينو بنسبة 50% بعد اقتطاع كلفة التشغيل
بدأت الحملة هذه المرّة بشكل مختلف. من يقف وراءها معلومون بالاسم، وظّفوا قدراتهم الماليّة في السياسة والإعلام لارتكاب جريمة متعدّدة الجوانب: ضدّ الدولة اللبنانية المنتفعة من الكازينو وBetarabia، عبر ممارسة “تشويه السمعة” بحقّ رئيس مجلس إدارة الشركة (على الرغم من فشلهم لأنّ ما زرعه في لبنان بسنوات قليلة أنصفه فيه الرأي العامّ بعكس ما تشتهيه السوق السوداء والمنتفعون منها)، وضدّ القضاء العادل والمصلحة العامّة وآلاف العوائل العاملة “شرعيّاً” في هذه المؤسّسات.
يكفي إثبات “شرعية” Betarabia وبراءة ما يحاولون اتّهام رئيس مجلس إدارتها به، ليتأكّد عبر هذه السطور حجم الجريمة التي يرتكبونها اليوم، ويغطيها ساسة بعلم أو بغير علم، بجهل بالملفّ أو بتواطؤ أو بالاثنين معاً.
تبييض أموال وتهرّب ضريبيّ؟
كيف يمكن وصف عقد موقّع من وزيرَي السياحة والمال بعمل غير شرعي فيما الأرباح تحوّل سنوياً إلى الخزينة العامّة؟ كيف يمكن لعميل فُرِض عليه من النيابة العامّة التمييزية، تحت وطأة توقيفه، توقيع عقد مع كازينو لبنان ليصبح عمله شرعيّاً، أن يتّهم بأنّه غير شرعي من قبل النيابة العامّة الماليّة (المستند رقم 1)؟ أين المال العامّ المهدور بينما هدف الكازينو هو استقطاب أرباح كانت تهدر في السوق السوداء؟ كيف يمكن اعتبار التعامل بالـUSDT التي تُصنّف ضمن فئة العملات الرقمية المستقرّة، تبييضاً الأموال، وقد أصبحت معظم دول العالم تتعامل بها؟
بالمستندات… “شرعيّة” Betarabia
عام 2008 تمّ تعديل عقد الكازينو (الموقّع في الأصل في عام 1995) ليشمل الـ Online والـ Sports Betting بموافقة من مجلس الوزراء، وتمّ توقيع العقد من وزيرَي المال والسياحة في حينه (المستند رقم 2)، وذلك قبل تأسيسBetarabia وتقدّمها للمناقصة والفوز بها.
السياسة تدخّلت بنفوذها في القضاء والأمن فيما جنّدت “السوق السوداء” وسيلة إعلامية مقابل بدل مادّي “ضخم”
في الأعوام 2014، 2015 و2016 راسلت وزارة الماليّة كازينو لبنان لبدء السير بالـOnline (المستند رقم 3)، وصولاً للعام 2020 حين عادت وراسلت وزارة المالية مرّة جديدة الكازينو ليتمّ إطلاق مناقصة عمومية بعد الاستعانة بخبراء عالميّين (أبرزهم بريطانيون). يومها تقدّمت 18 شركة وتمّ تقديم 5 عروض. فازت شركة OSS التي يرأسها جاد غاريوس بالمناقصة، وتمّ توقيع العقد وفقاً للصلاحيّات الممنوحة لكازينو لبنان ضمن عقده مع الدولة في تشرين الأول 2022 (المستند رقم 4).
في آذار 2023، بعد مراجعة ملفّ القمار “غير الشرعي” وتأثيره على مجال القمار وعلى عائدات الدولة من هذا المرفق، وفي ظلّ تقاعس الدولة، لا سيما الأجهزة الأمنيّة والقضائية عن اتّخاذ الإجراءات اللازمة لإقفال محالّ السوق السوداء ومواقعها، وبعد مراجعة المدير العامّ للماليّة ووزير المالية ووزير السياحة ودراسة واقع الحال، تمّ الاتّفاق على استراتيجية تقتضي تحصيل عائدات للدولة من هذا المرفق مباشرة وغير مباشرة (أي عبر الضرائب)، ليكون مردود الدولة منها 50% (مباشرة من خلال العقد وغير مباشرة من خلال الضرائب)، ويتمّ تنظيم هذا الموضوع عبر التعاقد مع ما يسمّى بالـ Agents لوضع كلّ من يعمل في هذا المجال تحت سقف الشرعيّة لهدفين:
– أوّلاً: تحصيل عائدات الدولة.
– ثانياً: ضمان تسديد الـAgents للضرائب.
تمّ تعديل العقد بين الكازينو والدولة اللبنانية بعد الاستحصال على موافقة استثنائية من قبل كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في 21/10/2022. تمّ توقيع ملحق العقد من قبل وزير السياحة ووزير المالية في 22/3/2023، ووافقت الدولة اللبنانية على التالي:
يكفي إثبات “شرعية” Betarabia وبراءة ما يحاولون اتّهام رئيس مجلس إدارتها به، ليتأكّد عبر هذه السطور حجم الجريمة التي يرتكبونها اليوم
تبقى عائدات الدولة من ألعاب الميسر في الكازينو بنسبة 50% بعد اقتطاع كلفة التشغيل التي تتضمّن:
1- حصّة تشغيل المنصّة (Operator).
2- حصّة محتويات الألعاب (Content provider).
3- حصّة الممثّلين المعتمدين (Affiliated Agents) المولجين باستقطاب اللاعبين وفق شروط تعامل تحدَّد تفاصيلها مع المشغّل المعتمَد Operator (المستند رقم 5).
في 3/10/2023 أصدر ديوان المحاسبة رأياً استشاريّاً خلص إلى التالي (المستند رقم 6):
– كازينو لبنان شركة مساهمة خاصّة لا تخضع لقانون الشراء العامّ وتنفق مالاً خاصّاً، وأيّ مناقصة تقوم بها تخضع لنظامها الداخلي وللقانون الخاص.
– موضوع الـ onlineيتطلّب تعديل قانون بناءً على قاعدة توازي الصيغ.
في السياق عينه أكّد الديوان التالي:
– “وجوب وضع إطار قانوني للقمار الـonlineلحماية حقوق الدولة المالية وحقوق كلّ الأطراف”.
– “اتّخاذ الإجراءات اللازمة التي تحمي مبادئ المشروعيّة القانونية ومراعاة مصالح الدولة”.
– “ضرورة أن تعمل الأجهزة المختصّة والإدارات المعنيّة من أمنيّة وقضائيّة وغيرهما على وقف العمل بالمواقع غير المرخّصة” (أي السوق السوداء التي لغاية اللحظة تموّل الحملة على Betarabia وعلى جاد غاريوس وتواصل عملها غير الشرعي بحريّة تحت أنظار “الدولة” بعدما سرقتها ولا تزال).
إذاً خلص ديوان المحاسبة إلى التالي:
– مشروعيّة légitimité (في ظلّ غياب القانونيّة légalité) عمل كازينو لبنان في الـ Online عبر منصّة betarabia.
– هذه المنصّة هي الوحيدة “المرخصّة” ويجب إقفال المحالّ غير المرخّصة.
– والأهمّ، لم يوصِ ديوان المحاسبة في أيّ من بنود استشارته البالغة 27 صفحة بإقفال منصّة betarabia لعدم وجود أيّ مخالفات في العقود من النوع الذي يتمّ تداوله حاليّاً.
بالأرقام… الدّولة تطلق النّار على نفسها
بلغ حجم السوق اللبناني في المراهنات عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة حوالي 20 مليون دولار شهرياً، فأدّى تنامي هذه السوق إلى خفض مداخيل كازينو لبنان، وهو ما كان يدفع وزراء المال إلى حثّ إدارة الكازينو على خوض هذا المجال لوقف المراهنات غير الشرعية التي كانت تحتكر السوق وأرباحها.
وفق حسبة بسيطة يتبيّن أنّ حصّة الكازينو مع وزارة المال والضرائب المدفوعة كانت تصل إلى 53% من حجم السوق
الـAgents المكسب الأكبر للدّولة
مع توقيع العقد مع شركة OSS دار نقاش بين إداراتها والكازينو ووزارة المال حول النسبة المفترضة للعملاء أو الـAgents الذين كانوا يعملون في السوق السوداء. وهؤلاء كانوا يحقّقون 70% من الأرباح، أي الخسائر التي يتكبّدها الزبائن، بينما تعود 15% للكازينو الأجنبي صاحب المنصّة، والـ15% لمقدّم الخدمة عالميّاً أي الـProvider، و70% للعملاء.
لهذا رأت إدارة كازينو لبنان أنّ النسبة للعملاء يجب أن تراوح بين 30% و40% وفقاً لعدد الزبائن الذي يملكه العميل. كان الهدف الأساس هو تحفيز أكبر عدد من الزبائن حتّى لو ذهبت بعض الأرباح للعملاء خلال مدّة العقد، لكنّ الرهان كان على أن يتمكّن الكازينو مع الوقت من استقطاب هؤلاء الزبائن.
وفق حسبة بسيطة يتبيّن أنّ حصّة الكازينو مع وزارة المال والضرائب المدفوعة كانت تصل إلى 53% من حجم السوق، فيما يذهب 15% إلى الـProvider، و5% لشركة OSS، ومعدّل وسطيّ يبلغ 27% للعملاء (لأنّها نسبة غير موحّدة). أمّا نسبة الـ53% التي تحصّلها الخزينة العامّة وكازينو لبنان فناتجة عن نسبة ثابتة لكلّ منهما، وهي 20%، إضافة إلى الضرائب المحصّلة على أرباح العملاء وشركة OSS، التي تساوي حوالي 13%، وتعود إلى خزينة الدولة.
تمّ تعديل العقد بين الكازينو والدولة اللبنانية بعد الاستحصال على موافقة استثنائية من قبل كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في 21/10/2022
نجح كازينو لبنان وشركة OSS في الوصول إلى استقطاب 13.5 مليون دولار من هذه السوق البالغة قيمتها، كما سبق ذكره، 20 مليون دولار شهريّاً، ويبقى حوالي 6.5 ملايين دولار مشغّلة بطريقة غير شرعية.
وفق حسبة بسيطة يتبيّن أنّ حصّة الكازينو مع وزارة المال والضرائب المدفوعة كانت تصل إلى 53% من حجم السوق، فيما يذهب 15% إلى الـProvider، و5% لشركة OSS.
فضيحة بحقّBetarabia وجاد غاريوس
هي فضحية موصوفة. كيف لمستثمر أن يثق بدولة تكيل بمكيالين. في كلّ زمن رجالاتها ومستعدة للدوس على “الشرعيّة” والقوانين وفق مصالح مسؤوليها أو للانتقام السياسي بينهم. كيف لمواطن أن يسير بطريق ” الشرعيّة” إذا لمس أنّ “غير الشرعي” محميّ ورابح فيما “الشرعي” يقبع في المعتقل منذ 3 أسابيع (إلى حين كتابة هذه السطور)؟ ماذا ينتظر المواطن اللبناني الذي استحصل على عقد من “الدولة” موقّع من وزير المال آنذاك يوسف خليل ووزير السياحة وليد نصّار وموافِق عليه رئيسا الجمهورية والحكومة آنذاك؟
بديع يونس | أساس ميديا