أخبار عاجلة

مقالة

من المراوحة القاتلة إلى المراوحة المدمرة
31-10-2025 | 10:03

سجلت الأحداث والتطورات في لبنان، خلال الأيام والساعات الماضية، أكثر من حدث أو واقعة بارزة؛ لكن حدثين اثنين تميزا عن كل ما شهده لبنان وسجل على صفحاته.

الحدث الأول، المهم والفظيع والخطير، تمثل بمقتل الشاب اليو أبي حنا، ابن الخامسة والعشرين، على يد مسلحين في مخيم شاتيلا. والحدث الثاني، وهو المهم أيضاً والأفظع من الأول، تمثل في زيارة من الموفدة الأميركية أو المستشارة، مورغان اورتاغوس، وجولتها في الحدود اللبنانية الجنوبية من جهة إسرائيل تمهيداً لزيارتها لبنان وجولتها على مسؤوليه، وما تبع زيارتها وتمثل بالجريمة الموصوفة التي ارتكبتها إسرائيل عبر اغتيال أحد موظفي بلدية بليدا خلال نومه في مبنى البلدية. 

الفظاعة المؤلمة والمدهشة في الحدث الأول، أنها تمثل تكراراً مملاً ومؤلماً لأحداث عاشها لبنان منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث تكاثرت سلسلة الأحداث والحوادث يومها مع المخيمات الفلسطينية، وتحديداً في بيروت ومع مخيم شاتيلا على وجه الخصوص، القريب من منطقة الطريق الجديدة- قصقص، وغير البعيد عن تقاطع شاتيلا- سامي الصلح، الموصل إلى شارع بدارو، حيث كانت تكثر حوادث إطلاق النار من حواجز أمنية فلسطينية على مواطنين عابرين للمخيم لمن يذكر، أو من حوله ولسبب عدم التوقف أو الامتثال لأوامر حواجز ونقاط تفتيش المسلحين الفلسطينيين. 


لقد تسببت هذه الحوادث يومها، باندلاع احتجاجات لبنانية، ثم حرب أهلية قسمت الشعب والبلاد لأكثر من 15 سنة متواصلة.

 

جوهر الموضوع، أن لبنان كان قد عاش هذه الحوادث المؤلمة والمأسوية من قبل، فما المبرر لأن يعود ويقع فيها، ويفقد لبنان زهرة من زهرات شبابه كمثل الشاب اليو ابي حنا، الذي فقد حياته ودمر حياة عائلته الثكلى نتيجة هذا التجاوز الكبير، الذي حدث ومثّل رسالة جديدة وبالدم لبقية شباب لبنان، أن حياتهم رخيصة ولا مستقبل لهم في هذا البلد الذي تدب فيه الفوضى واللامسوؤلية والتصرفات الإنكشارية، وشريعة الغاب والفوضى وثقافة المزارع المتلفتة من القانون والنظام.


ليس مقبولاً تحت أية حجة كانت، بعد الذي عاشه لبنان من ويلات ومآس، أن يجرح أي مواطن أو شابة أو شاب، عن طريق حاجز مسلح داخل مخيم فلسطيني أو في محيطه.

ما دامت الدولة اللبنانية، قد بدأت بتسلم السلاح الفلسطيني المضر بأهله، وجمعه، ما المبرر، أن يقع مثل هذا الحادث المريع ويقتل الشاب اليو أبي حنا، كأنه مجرد قطعة بالية من دون رقابة أو تحسب أو محاسبة.

إن المسؤولية في هذه الجريمة النكراء والفظيعة، تقع على كاهل السلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، المهملة لواجباتها في التحوط وإقامة الإجراءات على مداخل المخيمات الفلسطينية وداخلها وحولها لضبط الأوضاع الأمنية، والحؤول دون مثل هذه الجريمة النكراء والمؤلمة.

 

إن المراوحة المملة وغير المبررة أو المفهومة، التي تعيشها السلطة اللبنانية في اتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنية، لمنع من تسببوا بمثل هذا الحادث وقمعهم ومحاسبتهم، وهو الحادث المريع في حق شاب من شباب لبنان، الذي ربما كان وصل إلى أفضل المراكز والمواقع، لو أنه لم يمت هذه الميتة المؤلمة والمستنكرة.

لم يعد مقبولاً، بعد اليوم وبعد أن تكبد لبنان الويلات والآلام السابقة في أن تتكرر مثل هذه الأحداث من دون رد فعل مناسب وقانوني وحازم من السلطة المسؤولة وأجهزة الدولة اللبنانية. بل أكثر من ذلك، لماذا تقام مثل هذه الحواجز ونقاط التفتيش داخل المخيمات أو في محيطها؟ وكيف يمكن السكوت عنها ونتيجتها؟

 

أما الحادثة الثانية، التي شهدها لبنان، والتي مرت مرور الكرام من دون التوقف عندها والتعاطي معها أو الإشارة لها، هي حادثة زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان، التي سبقتها زيارة الحدود اللبنانية الجنوبية، وجولتها مع القيادة العسكرية الإسرائيلية ووزير دفاعها يسرائيل كاتس، على المواقع الحدودية.

والأفظع من كل ذلك متابعة أورتاغوس لعملية إسرائيلية أمام أعينها في قتل أحد عناصر حزب الله في الجنوب. بما هي نموذج على تأكيد الحزم والمتابعة الإسرائيلية، والأفظع من كل ذلك غياب أي رد فعل رسمي على ما قامت به أورتاغوس على الحدود، التي يجب أن تكون في موقع الوساطة النزيهة أو المتساوية في الحد الأدنى بين لبنان وإسرائيل. 

الزيارة غلفت بالشكليات والتوافه، وفي الوقت الذي اتجهت فيه الأنظار والاهتمام لقيامها بالزيارة والجولة على المسؤولين من دون أعلام أو تصوير متلفز أو مؤتمرات صحافية، كانت معاني اطلاعها على تصفية أحد عناصر حزب الله خير دليل على ما تحمله من رسائل بالغة التعبير والتدليل.

 

انطلاقاً من هذا المضمون الفج والواضح، لزيارة اورتاغوس وزيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، فإن السلطة اللبنانية مطالبة بالخروج من المراوحة السابقة والبدء بخطوات جدية تجاه واقع حصر السلاح وموضوعه، والعلاقة مع حزب الله من دون مواربة.

إن المراوحة والمراوغة والمناورات الاعلامية والبروتوكوولية الشكلية لن تجد نفعاً. وحدها الخطوات الجدية تنتج خبزاً.

إن المراوحة في الإجراءات والتصرفات المائعة التي ترسل رسائل في أكثر من اتجاه من قبل الدولة اللبنانية لم تعد مقبولة.

 

كان موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بالطلب من الجيش التصدي للعدوان الإسرائيلي عقب جريمة بليدا أمراً طبيعياً ورد فعل غاضب وطبيعي، خصوصاً أن رئيس الجمهورية ووفق الدستور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، المطالب منذ اليوم بالموقف والخطة لمواجهة إسرائيل والتصدي لها. 

ليس مطلوباً من الجيش في إطار خطة حصر السلاح بيد الدولة، القيام بهجوم مسلح ومداهمات عسكرية لمواقع حزب الله. لكنَّ المطلوب هو معرفة أن المراوحة والعنتريات الإعلامية، إذا ما استمرت ستحول لبنان إلى بقعة مدمرة أكثر مما هي راهناً، فكيف ستتصرف دولتنا بعد اليوم؟


هل ستخرج من الاستنقاع في المياه الباردة أم تُخرج منه؟


عارف العبد | المدن