أخبار عاجلة

مقالة

تحوّل مرتقب.. قبل زيارة البابا؟
03-11-2025 | 09:43

زيارة البابا ليون الرابع عشر إلى لبنان، لها ما قبلها. إما مفاوضات مباشرة بين لبنان و”إسرائيل” تبدأ بهدنة، أو أمر واقع جديد يُفرض بالحديد والنار.


إنتقلت الولايات المتحدة من دور وسيط، إلى دور مبادر. لا تريد إفتعال أزمة مع بنيامين نتنياهو، ولا تريد الإستمرار في تغطية سياساته الجموحة في المنطقة من دون روادع!


حاول الرئيس دونالد ترامب طمأنته بأن الولايات المتحدة ستعّوض عليه كل ما خسره من أسلحة وعتاد خلال حربه على غزّة وإيران، وأن وزارة الحرب الأميركيّة ستعيد بناء ترسانته، وبأحدث الأسلحة والتقنيات.


حجّة نتنياهو أن التعويض لم يحصل بزخم، كما هو متوقع، بل هناك تقنين، أو نوع من المقايضة: “مزيد من السلاح، مقابل مزيد من التعاون مع المخطط الأميركي، سواء ما يتعلّق بغزّة، أو بالشرق الأوسط الجديد”.


ويبرز تباين واضح في المواقف.


في ما يتعلّق بغزة، لم يبق من خطّة ترامب سوى الإسم، في حين أن المسار التنفيذي مختلف، ويشرف نتنياهو مباشرة على كل شاردة أو واردة، ويريدها وفق مقتضيات مصالحه.


ما نفّذ وفق الخطة، هو إطلاق سراح الأسرى الأحياء. وفي اليوم التالي بدأ نتنياهو في إملاء شروطه، إن ما يتعلّق بتجريد “حماس” من سلاحها وإنهاء دورها، أو حول إنسحاب قواته من القطاع، وكيف ومتى ستنسحب، والمناطق التي ستبقى متواجدة فيها، أو ما يتّصل بتشكيل القوّة الأمنيّة، والدول التي يسمح لها بالمشاركة في عديدها، ودورها المستقبلي في غزّة، والصلاحيات التي ستمنح لها، بالإضافة إلى إدارة القطاع مستقبلاً، ومن هي الهيئة التي ستدير زمام الأمور، وما هي الصلاحيات التي ستمنح لها؟


تحاذر واشنطن رمي حجر كبير في البركة الإسرائيليّة كي لا تعكّر صفو العلاقات، وتحدث تموجات واسعة. لكنّها تسعى بالمقابل إلى تدوير الزوايا الحادة مع نتنياهو بأقل قدر من النفور، والدليل أن سحابة الموفدين لا تغيب عن سماء تل أبيب، وفي كلّ يوم هناك مسؤول أميركي يحاوّر، ويلطّف الأجواء، ويقوّم الإعوجاج، قدر المستطاع، في خطة ترامب، مع تأكيد دائم على تقديم الدعم المطلق لحكومة بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير!


في ما يتعلّق بلبنان، لم يعد الأميركي وسيطاً، بل منحازاً، وبإمتياز، للشروط الإسرائيليّة. آخر المستجدات أن لبنان الرسمي وافق على أن تتحوّل لجنة “الميكانيزم” إلى هيئة حوار غير مباشر. حاولت الأميركيّة مورغان أورتاغوس تجميل العرض بحيث يضمّ الوفد اللبناني خبراء مدنيّين، إلاّ أن “إسرائيل” لم تأبه بالعرض، ورفضته، واعتبرت أن “الميكانيزم” مجرّد إطار تنسيقي عام، وإقترحت حواراً مباشراً “من دولة لدولة”، ولا مانع لديها أن يكون برعاية الولايات المتحدة ـ على الرغم من أنها غير متحمّسة لذلك ـ مع رفضها القاطع لأيّ مشاركة فرنسيّة أو أمميّة.


وترّحب الإدارة الأميركيّة ـ ظاهريّاً ـ بالعرض الإسرائيلي، لكن من الناحية العمليّة هي في مكان آخر من هذا الطرح، ولإعتبارات، أهمها:


1- لا تريد الإدارة الأميركيّة إنهاء الدور الأممي والفرنسي في المربع الجنوبي، ولا مصلحة لها في ذلك ـ أقلّه في الوقت الراهن ـ لأن دورها يصبح مكشوفاً أمام العالم العربي، ويتعارض مع مصالحها الحيويّة في دول الخليج، فضلاً عن الأضرار التي قد تترتّب على علاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي.


تقرّ الإدارة الأميركيّة، وتعترف بأن الدور الفرنسي لم يعد رياديّاً في لبنان، ولكنه يبقى ضرورة، كونه يستند إلى خلفيات تاريخيّة، وعلاقات ثنائيّة وثيقة، فضلاً عن أنه يعدّ متناغماً داخل لجنة “الميكانيزم” التي يرأسها جنرال أميركي.


2 ـ لا يمكن للبنان أن يتخلّى عن فرنسا، والدور الفرنسي، أيّاً تكن الظروف والتحديّات، رغم معرفته العميقة بضعف مكانة هذا الدور في زمن التسلّط الأميركي، و”التوحّش” الإسرائيلي.


إن لبنان الرسمي، وغالبيّة اللبنانيّين، ينظرون إلى فرنسا كـ”ضمانة”، وكـ”سند” لتمكينه من مواجهة التحديات المصيريّة، بعدما حوّله التجاذب الأميركي ـ الإسرائيلي من جهة، والإيراني من جهة أخرى، إلى ورقة شطرنج!


3 ـ ليس بعد من توافق لبناني داخلي حول مفاوضات مباشرة وفق الشروط والإملاءات الإسرائيليّة.


وليس بعد من موقف أميركي واضح في هذا الشأن، ذلك أن أورتاغوس مع مفاوضات غير مباشرة شرط أن يضم الوفد اللبناني فريقاً من الخبراء المدنيّين، في حين أن توم برّاك يؤكد على المفاوضات المباشرة، رغم معرفته بحساسيّة التركيبة السياسيّة – المجتمعيّة اللبنانيّة.


ويلتقي الطرفان الأميركي، والإسرائيلي على حصريّة السلاح، ويحمّلان معاً الحكومة اللبنانيّة مسؤولية التقاعس، وعدم الوفاء بما إلتزمت به على هذا الصعيد، بالسرعة المطلوبة.


وهروباً من التباينات العميقة في وجهات النظر الأميركيّة ـ الإسرائيليّة، حول غزّة، ولبنان، وسوريا، ومواصفات الشرق الأوسط الجديد، ترى واشنطن نفسها مضطرة إلى حسم العديد من النقاط العالقة لكسر الـ”ستاتيكو” الفارض معادلته على أرض الواقع، ووضع لبنان على سكّة واضحة المعالم قبل أن تطأ قدما البابا الأميركي الأصل، أرض مطار بيروت.


إن إستقبال البيت الأبيض للرئيس السوري أحمد الشرع منتصف هذا الشهر، يعتبر تحوّلاً في موقف ترامب، وفريق عمله.


إن دعوة وزير خارجيّة سلطنة عمان بدر البوسعيدي كلّاً من الولايات المتحدة وإيران، إلى إستئناف الحوار في مسقط، حول واقع العلاقات ومستقبلها، يعدّ تحوّلاَ.


إن “غيرة” ترامب المفاجئة على مصير المسيحيّين في نيجيريا، تُعدّ تحوّلا.


فأي تحوّل قد يصيب لبنان قبل الزيارة؟


جورج علم | الجريدة