لبنان اليوم في غمار اللحظات المصيرية التي لا تحتمل مزيدًا من التمديد ولا المساكنة مع اللاقرار، بحجة الحرص على السلم الأهلي وجعله مطيّة لصرف النظر عن فرض السيادة، خصوصًا بعدما تجاوزت التحذيرات حدود النصائح الدبلوماسية إلى رسائل صريحة حملتها الوفود الدولية من واشنطن وباريس والقاهرة، تنبّه إلى أن التلكؤ في حسم ملف السلاح غير الشرعي لن يبقى بلا أثمان، وأن الحرب لم تعد احتمالًا، خصوصًا بعد رصد تحركات عسكرية إسرائيلية ومناورات للقوات الإسرائيلية على الحدود مع لبنان.
إن ما جرى في الأمس داخل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي، يعكس هذا العجر البنيوي. فحين طرح وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي تمديد مهلة تسجيل غير المقيمين حتى نهاية كانون الأول ورفض المجلس، بدا كأنه رسالة ضمنية، مفادها أن المشاركة الاغترابية ما زالت موضع تجاذب وثمة من يخشى صوت الخارج كما الداخل، باعتبار أن اقتراع المغتربين يعبّر عن لبنان آخر أكثر تحررًا من الخوف ومن حسابات السلاح.
وفي التفاصيل، رد وزير الإعلام بول مرقص على سؤال حول سبب عدم تمديد مهلة تسجيل المغتربين بالقول: “إن الاعتبارت هي قانونية والمهلة باتت على وشك الانتهاء… أرسلنا أو سنرسل قريبًا جدًا، لأنه حاليًا قيد اكتمال التواقيع، مشروع القانون بمرسوم إلى مجلس النواب والذي يعدل قانون الانتخاب، والقرار يعود إليه. فإذا صدر القانون من المجلس متأخرًا عن هذه المهلة، نصبح أمام تساؤل حول أحقية أو إمكانية هؤلاء غير المقيمين، الذين نحن حريصون على أن يمارسوا حقوقهم الانتخابية، إذا ممكن أن يتسجلوا وكيف لهم التسجيل. لذلك حصل نقاش داخل الحكومة وتم الاتفاق على صيغة ما لا تؤدي إلى تكريس هاجسنا باتجاه تمكين هؤلاء غير المقيمين من ممارسة حقوقهم الانتخابية”.
وقد علم أن طرح الوزير رجي لم يصل إلى التصويت بسبب رفض معظم الوزراء باستثناء وزراء “القوات” وغياب وزير العدل عادل نصار، بحجة أنه لا يجوز مناقشة تمديد المهلة لتسجيل المغتربين بعد إرسال مشروع قانون إلى مجلس النواب لتعديل قانون الانتخاب.
مصادر دستورية أشارت إلى أن مشروع القانون المعجل الذي أرسلته الحكومة إلى مجلس النواب لم يصل إلى الأمانة العامة للمجلس، ومن المنتظر أن يصل مطلع الأسبوع المقبل ويفترض بالرئيس بري أن يدعو إلى هيئة عامة ويطرح مشروع القانون المذكور في مستهل جدول أعمال الجلسة من أجل مناقشته وإقراره لأن الانتخابات باتت في خطر محدق.
أضافت المصادر، الضرورة تفرض على الرئيس بري أن يطرح هذا المشروع على الهيئة العامة وألّا يحيله إلى أي لجنة على الإطلاق. كون إحالة هذا المشروع إلى اللجان وانتظار أن تقدم تقريرها، وربط هذا المشروع باقتراحات القوانين كما يحكى من قبل أوساط الرئيس نبيه بري العالقة أمام اللجنة الفرعية، يعني أن الانتخابات باتت بحكم المنقضية ولا يمكن اجراؤها.
وتابعت المصادر، عملًا بقاعدة أنه لا يجوز لسلطة أن تعطل سلطة دستورية أخرى، لا يحق لمجلس النواب أن يعطل أو يشل مجلس الوزراء في إنجاز هذا الاستحقاق الذي هو من مهامه، وبالتالي عندما يرفع مطلبًا من أجل تعديل أو تعليق بعض المواد، فذلك من أجل أن يتمكن من إجراء الانتخابات. وفي حال تعنت مجلس النواب بعدم إدراج هذا المشروع على جدول الأعمال، فهذا يعني أن هناك نية ثابتة وأكيدة من أجل العمل على عدم إجراء هذا الاستحقاق في موعده.
وتختم المصادر بالإشارة إلى المطالبة باستمرار تقبل طلبات التسجيل بالنسبة إلى المغتربين، فتقول إن ذلك ممكن على أن يصدر قانون يمدد هذه المهلة لاحقًا. كل المقصود إبقاء أبواب السفارات مفتوحة لتتلقى طلبات حتى ولو كانت خارج المهلة على أن يكون مصيرها مرتبطًا بمصير القانون المنتظر من قبل مجلس النواب. وبالتالي إن عدم قبول الحكومة بالاستمرار في تسجيل الطلبات وإقفال أبواب السفارات بوجه المغتربين يعني أن لا نية لدى الرئيس بري بإشراك هذه الشريحة بالانتخابات النيابية سيما أن الأعداد المسجلة زهيدة بسبب ضياع المغترب على أي قانون سيستقر الأمر.
وكان الرئيس نواف سلام أعلن في مستهل الجلسة عن نتائج وخلاصات أولية تتعلق باللجنة المكلفة ملف إعادة الأعمار، سواء عن نتائج الاعتداءات الإسرائيلية أو نتائج انفجار مرفأ بيروت. وقد أخذ مجلس الوزراء علمًا بما توصلت إليه اللجنة. وأقر مجلس الوزراء معظم بنوده المؤلفة من 34 بندًا.
تحذير أميركي
وفي المواقف من الانتخابات النيابية المقبلة، شدد عضوا الكونغرس الأميركي داريل عيسى ودارين لحود على أن أي عرقلة للعملية الديمقراطية من قبل نبيه بري أو غيره تعتبر انحيازًا لـ “حزب الله” وحلفائه، مؤكدين أهمية استخدام واشنطن كل الأدوات المتاحة لمحاسبة من يعيق الإصلاحات والعمليات الديمقراطية في لبنان.
وفي ظل الأجواء الضاغطة، علمت “نداء الوطن” أن السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الذي يصل إلى بيروت اليوم سيقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس جوزاف عون الإثنين المقبل، ومن المتوقع أن تتحرك الملفات المهمة وعلى رأسها التفاوض مع إسرائيل والوضع الجنوبي.