وسط توتر إقليمي غير مسبوق، عقد قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية قمة طارئة في الدوحة، في خطوة أظهرت تضامناً واسعاً مع قطر، عقب العدوان الإسرائيلي على الدوحة.
وعقدت القمة على خلفية الهجوم الإسرائيلي الذي تعرضت له العاصمة القطرية الثلاثاء الماضي، واستهدف قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أثناء اجتماعهم لمناقشة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبالتزامن مع انطلاق القمة، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مؤتمراً صحفياً، تعهد خلاله الأخير بتقديم "دعم ثابت" لإسرائيل.
رسالة في وجه "إرهاب" إسرائيل
وشارك زعماء وقادة ووزراء وممثلو نحو 57 دولة عربية وإسلامية، في أعمال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة، التي افتتحها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وعبّر قادة الدول العربية والإسلامية في البيان الختامي للقمة عن "التضامن الكامل والمطلق" مع قطر، وأدانوا بأشد العبارات "الهجوم الجبان" الذي شنته إسرائيل على قطر، باعتباره "عدواناً صارخاً على دولة عربية وإسلامية، وتصعيداً خطيراً يعرّي عدوانية الحكومة الإسرائيلية المتطرفة".
وأكدوا أن العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطر، واستمرار الممارسات الإسرائيلية العدوانية، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة يقوّضان أي فرص لتحقيق السلام في المنطقة.
وشددوا على الوقوف مع قطر في كل ما تتخذه من خطوات وتدابير للرد على هذا العدوان الإسرائيلي الغادر، لحماية أمنها وسيادتها واستقرارها وسلامة مواطنيها.
وعبّروا عن الرفض القاطع لمحاولات تبرير هذا العدوان تحت أي ذريعة"، و"الرفض الكامل والمطلق للتهديدات الإسرائيلية المتكررة بإمكانية استهداف دولة قطر مجددا أو أي دولة عربية أو إسلامية".
وأكدوا على "مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك للدول العربية والإسلامية وضرورة الاصطفاف ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة، وأهمية بدء وضع الآليات التنفيذية اللازمة لذلك"، مع "ضرورة الوقوف ضد مخططات إسرائيل لفرض أمر واقع جديد في المنطقة".
وقرر القادة دعوة جميع الدول إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك دعم الجهود الرامية إلى إنهاء إفلاتها من العقاب ومساءلتها عن آثارها وجرائمها، وفرض العقوبات عليها وتعليق تزويدها بالأسلحة والذخائر والمواد العسكرية أو نقلها أو عبورها (..) ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها ومباشرة الإجراءات القانونية ضدها".
واعتبر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن القمة العربية الإسلامية بالدوحة رسالة واضحة في وجه إرهاب الدولة الإسرائيلي بحق المنطقة".
أسباب زيارة روبيو
وتزامنت زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لإسرائيل مع القمة العربية الإسلامية في الدوحة، ما أثار جملة تساؤلات عن أسباب هذه الزيارة ورسائلها.
مصادر دبلوماسية كشفت للانباء الالكترونية إن زيارة روبيو لإسرائيل في هذا التوقيت تحمل "رسائل سياسية واضحة، أولها طمأنة إسرائيل بأن واشنطن ثابتة في دعمها حتى في ظل موجة التضامن العربي والإسلامي المتزايد مع قطر، كما أنها تعكس رغبة أميركية في إدارة المشهد ومنع أي عزلة دولية أو إقليمية الإسرائيل بعد حادثة الدوحة".
وأضافت أن الزيارة تعكس دعماً أميركياً قوياً لإسرائيل في مقابل التضامن العربي والإسلامي مع قطر، وأنها "إشارة صريحة الى أن الولايات المتحدة توازن التضامن العربي مع قطر بموقف مضاد، وهو ما يكرس الانحياز التقليدي لإسرائيل".
واشارت المصادر إلى إن الزيارة "تحمل أكثر من رسالة، حيث أرادت واشنطن من خلالها تأكيد دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل في لحظة تواجه فيها موجة انتقادات دولية عقب استهداف الدوحة وفي الوقت نفسه محاولة قطع الطريق على أي جبهة عربية - إسلامية موحدة قد تخرج من قمة قطر".
هذا اضافة الى أنها تشكل دعماً أميركياً مطلقاً وغير مسبوق لإسرائيل، وهذا يؤكد أن الضربة التي قامت بها إسرائيل ضد الدوحة كانت بتنسيق تام مع أميركا"، خاصة أن "إسرائيل تعمل تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، وتقوم بتنفيذ مخططاتها في المنطقة".
في حين أوردت الصحف الاسرائيلية الى إن زيارة روبيو "تأتي في توقيت حاسم لعدة أسباب، هي أن إسرائيل على وشك شن هجوم واسع على مدينة غزة وتدرس كيفية الرد على الاعترافات المتوقعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر بفلسطين كدولة، فضلا عن أن إسرائيل تواجه ردود فعل إقليمية ودولية عنيفة عقب هجومها على الدوحة، وتحاول احتواءها".
وكانت القمة قد حظيت بعدد من اللقاءات الجانبية المهمة أبرزها لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي لم يُلقِ كلمة في القمة، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، كما سًجِّل لقاء بين بن سلمان والرئيس السوري أحمد الشرع، الذي التقى بدوره الرئيس اللبناني جوزف عون.
وفي السياق، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حملت كلمته تحذيرًا من مصير السلام في المنطقة فقال: "ما يجري حاليا يقوض مستقبل السلام ويهدد أمن
جميع شعوب المنطقة ويضع العراقيل أمام أي فرص لأي اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض اتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة".
وكانت كلمة معبّرة للرئيس جوزف عون قال فيها: "أعتذرُ منك، أخي سمو الأمير تميم، ومنكم إخوتي رؤساءِ الوفود، أنا هنا لأقول، استناداً إلى ما سبق، بأنّ الصورةَ بعد عدوانِ الدوحة، باتت واضحةً جلية، وأنّ التحدي المطلوبَ رداً عليها، يجب أن يكونَ بالوضوحِ نفسِه. فنحن بعد أيامٍ على موعدٍ مع الجمعيةِ العمومية للأممِ المتحدة في نيويورك، حيثُ يلتئمُ كلُ العالمِ الساعي إلى السلام. فلنذهبْ إلى هناك بموقفٍ موحّد، يجسّدُه سؤالٌ واحد: هل تريدُ حكومةُ اسرائيل، أيَ سلامٍ دائمٍ عادلٍ في منطقتِنا؟ إذا كان الجوابُ نعم، فنحن جاهزون وفقاً لمبادرة السلام العربية التي طرحتْها المملكة العربية السعودية الشقيقة في قمةِ بيروت عام 2002، وتبنّتها جامعتنا العربية بالإجماع، وهي تلقى تأييدًا دوليًا واسعًا بدأ يترجمُ من خلال اعتراف دول عدَّة بدولة فلسطين، وخير دليل على ذلك، الإعلان الذي صدرَ منذ أيّام عن الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة بأغلبيّة ساحقة، تحت مسمّى "إعلان نيويورك"، وذلك نتيجة جهد دؤوب من المملكة العربيّة السعوديّة الشقيقة وفرنسا الصديقة، والذي يحدد خطواتٍ ملموسةٍ ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين. ولنجلسْ فوراً برعايةِ المنظمة الأممية وكلِ الساعين إلى السلام، للبحثِ في مقتضياتِ تلك الإجابة. وإذا كان الجوابُ لا، أو نصفَ جوابٍ أو لا جواب، فنحن أيضاً راضون. فندركَ عندها حقيقةَ الأمرِ الواقع، ونبني عليه المقتضى. علّنا نوقفُ على الأقلّ سلسلةَ الخيبات، حيالَ شعوبِنا وأمامَ التاريخ".
وفي تطور لافت وأثر انعقاد قمة استثنائية لدول مجلس التعاون الخليجي عقبت انعقاد القمة العربية الإسلامية، أعلن قادة دول المجلس عن اجتماع عاجل سيعقده مجلس الدفاع المشترك لدول المجلس التعاون في الدوحة لاتخاذ إجراءات لتفعيل "آليات الدفاع المشترك" يسبقه آخر للجنة العسكرية العليا، لتقييم الوضع الدفاعي لدول مجلس التعاون، ومصادر التهديد في ضوء العدوان الإسرائيلي على قطر، مُوجِّهين أيضاً القيادة العسكرية الموحدة لاتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك وقدرات الردع الخليجية.
وأكّد البيان الختامي للقمة التضامن الخليجي الكامل مع قطر في جميع الإجراءات التي تتخذها لمواجهة هذا الاعتداء، مشدداً على أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، وأي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها جميعاً، ومؤكداً استعدادها لتسخير كل الإمكانيات لدعم قطر، وحماية أمنها واستقرارها وسيادتها ضد أي تهديدات.
وعَدَّ القادة الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قطر تهديداً مباشراً للأمن الخليجي المشترك وللسلم والاستقرار الإقليمي، لافتين إلى أن استمرار هذه السياسات العدوانية يقوّض جهود تحقيق السلام ومستقبل التفاهمات والاتفاقات القائمة مع إسرائيل، لما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة بأسرها.